مقال…هشام الجخ / هذا هو الفساد
رجل الشرطة هو المسؤول الأول عن تطبيق القانون.. إذن ماذا لو كان رجل الشرطة يخالف القانون؟ سؤال ساذج ولكنه أصل كل مشكلات مصر، أن يكون رجل القانون لا ينفذ القانون، وبالتالى يصبح القانون بلا أية فائدة. مثلا القانون يمنع الزجاج الملون للسيارات، وعلى رجل الشرطة أن يقوم بالقبض على كل سيارة تضع زجاجا ملونا «ما لم يكن مصرح لها بذلك» والملاحظ أن «معظم» ضباط الشرطة – خاصة الشباب منهم – يضعون زجاجا ملونا «فاميه» على سياراتهم، ويحتجون بأن ضرورة عملهم تفرض عليهم ذلك للتخفى والسرية وما شابه. إذن فالمشرّع المصرى «واضع التشريعات»، لا يدرك أهمية الزجاج الملون لضابط الشرطة، وبالتالى يضطر ضابط الشرطة أن يخالف القانون.. وإذا كان رجل القانون يخالف القانون فمن الطبيعى أن يخالفه كل القادرين على مخالفته، «ليس فى الزجاج الملون فحسب»، وإنما فى كل شىء.. فى السير عكس الاتجاه أو فى تحميل حمولة زائدة أثناء السفر على الطائرة، أو فى القيادة بدون رخصة أو بناء بدون ترخيص، أو فى أى مجال يحكمه القانون.
دعونا نعترف أن فى مصر ينتهك «معظم» القائمين على حماية القانونِ – أنفسُهم – القانونَ الذى يحمونه، ودعونا نفتح جراحنا لنطهرها خيرا من أن نداريها فتزداد صديدا وأذى.. ليس ضروريا فى مصر أن تكون رجل شرطة أو تكون فى أى منصب قيادى رفيع لتخالف القانون، وإنما يكفيك لتخالف القانون أن تكون قريبا لمنصب رفيع، أو صديقا له، لكى تتمتع بكل الصلاحيات التى تؤهلك لمخالفة القوانين، حيث إن صديقك أو قريبك «ذا المنصب الرفيع» سيتدخل فى الوقت المناسب وسيقيك شر المحاسبة والمساءلة القانونية، ومن الطبيعى أن ما يزيد على %70 من الشعب المصرى له أقارب أو أصدقاء ذوو مناصب رفيعة، وبالتالى سيخالفون القانون بطبيعة الحال ما داموا لن يضاروا من هذه المخالفة. إذن فى النهاية نحن شعب لا يحكمه القانون، ولا تُطبّق القواعد والإجراءات إلا على قليلى الحيلة من أفراد الشعب، وهذا يخلق نوعا من الغيرة والحقد والسعى الدائم لمخالفة القانون، حيث إن هذه المخالفة تعد نوعا من أنواع الرفاهية والفخر والاعتزاز ودلالة على المقدرة والرقى والسلطة.
هل شاهدتم رجلا يخجل عندما يقول إن قريبه «ذو المنصب الرفيع» استخرج له رخصة القيادة دون أن يذهب للاختبار؟ بالعكس ستجده يقول هذا بكل فخر وخيلاء، وكأنه عمل شريف وبطولة من بطولات الدهر. هل نشاهد فى مصر صاحب عمل لا يفتخر بقدرته على التهرب الضريبى؟ هل نشاهد فى مصر مواطنا يتعامل مع جهة حكومية، ويخجل أن يقول إنه قد رشى موظفا ليعجّل له الإجراءات؟ لقد أصبح القانون فى مصر مجرد أداة لتعطيل المصالح للمواطنين الذين يرفضون دفع الرشاوى أو الإكراميات، وابتعد كل البعد عن الهدف الحقيقى له وهو حماية مصالح المواطنين ومصالح الدولة، وتنظيم العلاقات المجتمعية. هذا هو الفساد يا سادة.. أن يطبق القانون على فئة دون فئة أخرى.. القانون يسمح لرجل الشرطة أن يحمل سلاحا ولا يسمح لغيره بذلك إلا بترخيص، وبالتالى لا يغضب أحد ولا يحقد ولا ينقم إذا رأى رجل الشرطة يحمل سلاحا، ويسير فى الشارع، ولكن القانون لا يسمح لرجل الشرطة أن يضع زجاجا ملونا، أو أن يسير عكس الاتجاه «إلا فى حالات الضرورة الأمنية»، وبالتالى إذا رأى المواطنون رجل الشرطة يضع زجاجا ملونا ولا يحاسبه أحد، سيسعون هم أيضا إلى مخالفة القانون فى مجالات عملهم المختلفة، انتقاما لضعفهم وحسدا وحقدا على ضباط الشرطة المخالفين للقواعد وللقانون. أكتب مقالى هذا موجها حديثى لرجال الشرطة – وأنا أعلم أن منهم المنضبطين وهم الأكثر – لكى يكونوا القدوة والمثل الذى يُحتذى، وأن يقدروا حساسية موقعهم ونظرة العوام لهم باستمرار، لكونهم رموزا للمجتمع. وأذكرهم أن الله – عز وجل – عندما يريد أن يهلك قرية – والعياذ بالله – يأمر المترفين فى هذه القرية ليكونوا هم أصل الفساد، وأنا أعيذكم بالله أن تكونوا أصل فساد مصر، وأنتم حماتها ودرة جبينها، والقائمون على أمنها وسلامتها.
اكتب تعليقك