سينما هوليوود المغربية بين مهرجان «سلا» وباب الشعرية

image

قبل سنوات قليلة كانت سينما هوليوود التي تقع في حي «كريمة» الشعبي بمدينة «سلا» المغربية مجرد مكان مهجور مثل حال العديد من دور العرض المغربية التي تعرضت للإهمال والهجران من قبل الأفلام والجمهور نتيجة مشاكل التوزيع والقرنصة التي أضرت كثيرا بحال السينمات في أغلب مدن المغرب.

ولكن في ظل رغبة إدارة جمعية أبي رقراق التي تقف خلف تنظيم مهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة أن يكون لها فضاؤها السينمائي الخاص كي يشكل نافذة عرض أفلام المهرجان وفعالياته قامت الجمعية بتطوير الدار وإعادة افتتاحها لاستقبال ضيوف المهرجان خلال دوراته المتراكمة عاما بعد عام.

وكان التخوف الرئيسي عند افتتاح الدار هو أنها تقع في منطقة شعبية تحتوي على معدل للجريمة، بالإضافة إلى توجهات دينية متزمتة نسبيًا تزامنت مع صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في المغرب قبل أعوام قليلة.

ولكن السينما ذلك الفن السحري صاحب القدرة على الجذب والتأثير من خلال صفاته التي تقترب من عالم الرؤى والأحلام استطاعت أن تجذب سكان الحي لاحتضان فكرة إعادة إحياء دار العرض بل والمهرجان الدولي الذي يستغل فضاءها الكلاسيكي الرائع وشاشتها السحرية.

ومن هنا، استطاع المهرجان أن يشكل حدثًا سنويًا استثنائيًا منتظرًا بالنسبة لأهالي الحي الذي أصبحت كاميرات التليفزيون وأقلام الصحافة المحلية والدولية تتجه له خلال أسبوع المهرجان وأصبح لدى البيوت المغربية التقليدية التي تطل على الساحة الواسعة أمام السينما ميزة الصف الأول لمشاهدة فعاليات السجادة الحمراء وحضور نجوم وفناني السينما المغربية لدعم التوهج الإعلامي للمهرجان، بالإضافة إلى التلويح للممثلين الأجانب من ضيوف المهرجان وصناع الأفلام، وهو المشهد الممتع الذي يجعلنا نتساءل لماذا لم تفكر أي من الجمعيات الفنية أو الجماعات أو المراكز الفنية المصرية أو حتى وزارة الثقافة في مشروع مماثل لإحياء دور العرض القديمة في القاهرة؟ وهل بإمكان المناطق الشعبية القاهرية في ظل تيار أفلام السبكي وأغاني المهرجانات والانفلات الأمني والتزمت الديني أن تحتضن فعاليات أو تظاهرات من هذا النوع؟ وهل يمكن أن ينفتح الجمهور المصري ويصل إلى درجة التحضر وحب الفن السابع بهذا الشكل.

ألم يكن من الممكن بدلًا من هدم سينما مصر الشهيرة وسينما هوليوود التي سميت قبل هدمها بسينما فريد شوقي أن تحتوي تظاهرات كتلك تحت رعاية الدولة أو أي مؤسسة أو جمعية خاصة!! والسؤال الأهم هل كان أهالي شارع الجيش وباب الشعرية سيتقبلون الفكرة كما تقبلها أهالي حي «كريمة» الشعبي بسلا! ثمة قانون يمنع هدم دور العرض في المغرب وفي حال الهدم يتم إنشاء دار عرض جديدة محل الدار القديمة.

وبالمناسبة فإن هذا القانون يوجد مثيله في مصر ولكن لم يعد أحد يهتم في ظل التعامل مع السينما على اعتبار أنها مجرد وسيلة للتسلية وقضاء الوقت وبذل المال لجيوب النجوم بأن يفعّل هذا القانون أو يقيمه كجدار حام ما بين الجهل المتفشي حتى بين المثقفين والمهتمين بالسينما في مصر وبين السينما نفسها كفن راق من المفترض أن يلعب دورًا مهمًا في دعم الوجداني للجمهور وتثقيفه وليس تغييبه وسحب الأموال منه بحجة الإضحاك والترفيه.

هذا العام وفي افتتاح الدورة الجديدة لمهرجان «سلا»، أعلن نور الدين شماعي، رئيس المهرجان، عن أن سينما هوليوود تم تزويدها بنظام العرض الرقمي الحديث DCP وهو اختصار: Digital Cinema Package أي الوحدة الإلكترونية التي تحتوي على نسخة رقمية من الفيلم بدلا من النسخة الـ35 مم التقليدية أو نسخ الدي في دي التي لا تصلح سوى للعرض المنزلي.

وكل الأفلام التي عرضت خلال الدورة في المسابقة الرسمية عرضت من خلال هذا النظام الذي يعد الأحدث بين أنظمة عروض الأفلام في العالم، ومن المعروف أن قانون دعم ورقمنة دور العرض في المغرب «نسبة لتحويلها إلى دور عرض تعرض بالنظام الرقمي» والمنشور في الجريدة الرسمية المغربية بتاريخ 27 سبتمبر 2012 ينص على أنه من حق كل دار عرض تصلح لأن يدخل عليها النظام الرقمي أن تتقدم بملف للحصول على مبلغ الدعم الذي يصل إلى مليون درهم أي ما يعادل 900 ألف جنيه مصري على ألا يتعدى مبلغ الدعم 50% من كلفة تحديث دار العرض، وذلك بالتعاون مع المركز السينمائي المغربي الذي يقابل المركز القومي للسينما في مصر ولكن شتان بين دور هذا وفعالية ذاك.

وقد أعلن «شماعي» أن دار عرض هوليوود أو فضاء هوليوود الثقافي كما يطلق عليه في الحي سوف تفتح أبوابها للجمهور المغربي بدءا من هذه الدورة وطوال العام لتصبح جزءًا من عملية تنشيط التوزيع والعرض السينمائي في مدينة «سلا» وكما هو مكتوب على شباك التذاكر، فإن سعر التذكرة في المتوسط هو 20 درهمًا أي 18 جنيهًا مصريًا تقريبًا.

وبالمناسبة، فإن أغلب المهرجانات المصرية الدولية بما فيها مهرجان القاهرة نفسه تعاني حاليًا من عدم وجود دور عرض خاصة أو أماكن عرض النسخ التي ترسل من الأفلام بنظام الـDCP، وذلك باستثناء دور العرض التجارية، ولهذا استضافت سينمات رنيسانس مهرجان الإسماعيلية في دورتيه السابقتين بينما تعاني مهرجانات الأقصر الأوروبي والأفريقي من عدم وجود دار عرض واحدة مجهزة بهذا النظام في المدينة السياحية الأشهر في العالم مع غياب كامل لدور الدولة في دعم وتحديث دور العرض من أجل تنشيط الثقافة السينمائية ومحاولة الوقوف أمام موجات التردي والانحطاط الإنتاجي للسينما التجارية في مصر.

ويعد فتح سينما هوليوود طوال العام بعد أن كانت تقتصر على المهرجان جزءًا من دور المهرجانات السينمائية في تدعيم التثقيف السينمائي والارتقاء بذائقة الجمهور ليس فقط خلال أسبوع المهرجان كل عام ولكن عبر امتداد هذا الدور إلى بقية شهور السنة، وهي خطوة مهمة تُحسب للمهرجان الشاب الذي لم ينقض بعد عقده الأول، ولكنه استطاع أن يحقق لنفسه سمعة طيبة ومكانة لا بأس بها بين المهرجانات النوعية، خاصة في الوطن العربي والمغرب بشكل خاص، مع الأخذ في الاعتبار أن اللجنة المنظمة للمهرجان سواء من جمعية أبي رقراق أو المركز السينمائي المغربي هي لجنة مغربية 100% بدون عناصر أوروبية أو فرانكفونية، ورغم ذلك فإن مستوى المسابقة الدولية وصل إلى حد وجود 7 أفلام من إخراج مخرجات وإنتاج عام 2013 وهو ما يعني جهدًا برمجيًا ودأب في متابعة أحداث إنتاجات السينما العالمية بحكم أنه مهرجان دولي.

شارك الموضوع